الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب فِي قِتَالِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: 4265- سبق شرحه بالباب. .باب فِي شَجَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدُّمِهِ لِلْحَرْبِ: قَوْله: «وَهُوَ عَلَى فَرَس لِأَبِي طَلْحَة عُرْي، فِي عُنُقه السَّيْف، وَهُوَ يَقُول: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا، قَالَ: وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْر: قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ» وَفِي رِوَايَة: «فَاسْتَعَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَة يُقَال لَهُ مَنْدُوب، فَرَكِبَهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَع، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» وَأَمَّا قَوْله: (يُبَطَّأ) فَمَعْنَاهُ يُعْرَف بِالْبُطْءِ، وَالْعَجْز، وَسُوء السَّيْر. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ تُرَاعُوا» أَيْ رَوْعًا مُسْتَقِرًّا أَوْ رَوْعًا يَضُرُّكُمْ. وَفيه فَوَائِد: مِنْهَا بَيَان شَجَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّة عَجَلَته فِي الْخُرُوج إِلَى الْعَدُوّ قَبْل النَّاس كُلّهمْ، وَبِحَيْثُ كَشَفَ الْحَال، وَرَجَعَ قَبْل وُصُول النَّاس. وَفيه بَيَان عَظِيم بَرَكَته وَمُعْجِزَته فِي اِنْقِلَاب الْفَرَس سَرِيعًا بَعْد أَنْ كَانَ يُبَطَّأُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» أَيْ وَاسِع الْجَرْي. وَفيه جَوَاز سَبْق الْإِنْسَان وَحَدِّهِ فِي كَشْف أَخْبَار الْعَدُوّ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْهَلَاك. وَفيه جَوَاز الْعَارِيَة، وَجَوَاز الْغَزْو عَلَى الْفَرَس الْمُسْتَعَار لِذَلِكَ. وَفيه اِسْتِحْبَاب تَقَلُّد السَّيْف فِي الْعُنُق، وَاسْتِحْبَاب تَبْشِير النَّاس بِعَدَمِ الْخَوْف إِذَا ذَهَبَ. وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث تَسْمِيَة هَذَا الْفَرَس مَنْدُوبًا. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ كَانَ فِي أَفْرَاس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْدُوب، فَلَعَلَّهُ صَارَ إِلَيْهِ بَعْد أَبِي طَلْحَة. هَذَا كَلَام الْقَاضِي. قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنَّهُمَا فَرَسَانِ اِتَّفَقَا فِي الِاسْم. 4267- سبق شرحه بالباب. .باب كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ: وَقَوْله: «كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلّ سَنَة» كَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ. وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّة الرِّوَايَات وَالنُّسَخ قَالَ: وَفِي بَعْضهَا: «كُلّ لَيْلَة» بَدَل سَنَة. قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ، لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّل، لِأَنَّ قَوْله: «حَتَّى يَنْسَلِخ» بِمَعْنَى كُلّ لَيْلَة. وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا بَيَان عِظَم جُوده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان. وَمِنْهَا زِيَادَة الْجُود وَالْخَيْر عِنْد مُلَاقَاة الصَّالِحِينَ وَعَقِبَ فِرَاقهمْ لِلتَّأَثُّرِ بِلِقَائِهِمْ. وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب مُدَارَسَة الْقُرْآن. .باب كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا: قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَالَ الْهَرَوِيُّ: يُقَالُ لِكُلِّ مَا يُضْجَرُ مِنْهُ وَيُسْتَثْقَلُ أُفٍّ لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الِاحْتِقَار مَأْخُوذ مِنْ الْأَفَف، وَهُوَ الْقَلِيل. وَأَمَّا (قَطُّ) فَفيها لُغَات: قَطُّ وَقُطَّ بِفَتْحِ الْقَاف وَضَمّهَا مَعَ تَشْدِيد الطَّاء الْمَضْمُومَة، وَقَطِّ بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْر الطَّاء الْمُشَدَّدَة، وَقَطْ بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الطَّاء، وَقَطِ بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْر الطَّاء الْمُخَفَّفَة، وَهِيَ لِتَوْكِيدِ نَفْي الْمَاضِي. 4270- سبق شرحه بالباب. 4271- قَوْله: (تِسْع سِنِينَ)، وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات (عَشْر سِنِينَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تِسْع سِنِينَ وَأَشْهُر؛ فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ تَحْدِيدًا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وَخَدَمَهُ أَنَس فِي أَثْنَاء السَّنَة الْأُولَى. فَفِي رِوَايَة التِّسْع لَمْ يَحْسِبْ الْكَسْرَ، بَلْ اِعْتَبَرَ السِّنِينَ الْكَوَامِل، وَفِي رِوَايَة الْعَشْر حَسَبَهَا سَنَة كَامِلَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان كَمَالِ خُلُقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْن عِشْرَته وَحِلْمه وَصَفْحه. 4272- سبق شرحه بالباب. .باب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لاَ. وَكَثْرَةِ عَطَائِهِ: قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا (مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى)، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْجُلُودِيّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: (مُحَمَّد بْن حَاتِم)، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ، وَخَلَف الْوَاسِطِيُّ. 4275- قَوْله: «فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْن جَبَلَيْنِ» أَيْ كَثِيرَة كَأَنَّهَا تَمْلَأُ مَا بَيْن جَبَلَيْنِ. وَفِي هَذَا مَعَ مَا بَعْده إِعْطَاء الْمُؤَلَّفَة، وَلَا خِلَاف فِي إِعْطَاء مُؤَلَّفَة الْمُسْلِمِينَ. لَكِنْ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاة؟ فيه خِلَاف، الْأَصَحّ عِنْدنَا أَنَّهُمْ يُعْطُونَ مِنْ الزَّكَاة، وَمَنْ بَيْت الْمَال. وَالثَّانِي لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاة، بَلْ مِنْ بَيْت الْمَال خَاصَّة. وَأَمَّا مُؤَلَّفَة الْكُفَّار فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاة، وَفِي إِعْطَائِهِمْ مِنْ غَيْرهَا خِلَاف، الْأَصَحّ عِنْدنَا لَا يُعْطَوْنَ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَام عَنْ التَّأَلُّف بِخِلَافِ أَوَّل الْأَمْر وَوَقْت قِلَّة الْمُسْلِمِينَ. 4276- قَوْله: «فَقَالَ أَنَس: إِنْ كَانَ الرَّجُل لَيُسْلِم مَا يُرِيد إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِم حَتَّى يَكُون الْإِسْلَام أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «فَمَا يُسْلِم»، وَفِي بَعْضهَا: «فَمَا يُمْسِي»، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَمَعْنَى الْأَوَّل فَمَا يَلْبَث بَعْد إِسْلَامه إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَكُون الْإِسْلَام أَحَبَّ إِلَيْهِ، وَالْمُرَاد أَنَّهُ يُظْهِر الْإِسْلَام أَوَّلًا لِلدُّنْيَا، لَا بِقَصْدٍ صَحِيح بِقَلْبِهِ، ثُمَّ مِنْ بَرَكَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُور الْإِسْلَام لَمْ يَلْبَث إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَنْشَرِح صَدْره بِحَقِيقَةِ الْإِيمَان، وَيَتَمَكَّن مِنْ قَلْبه، فَيَكُون حِينَئِذٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فيها. 4278- قَوْله: «فَحَثَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَرَّة، ثُمَّ قَالَ لِي: عُدَّهَا فَعَدَدْتهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا» يَعْنِي خُذْ مَعَهَا مِثْلَيْهَا، فَيَكُون الْجَمِيع أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، لِأَنَّ لَهُ ثَلَاث حَثَيَات، وَإِنَّمَا حَثَى لَهُ أَبُو بَكْر بِيَدِهِ لِأَنَّهُ خَلِيفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَده قَائِمَة مَقَام يَده، وَكَانَ لَهُ ثَلَاث حَثَيَات بِيَدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفيه إِنْجَاز الْعِدَة. قَالَ الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: إِنْجَازهَا وَالْوَفَاء بِهَا مُسْتَحَبّ لَا وَاجِب، وَأَوْجَبَهُ الْحَسَن وَبَعْض الْمَالِكِيَّة. .باب رَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ وَالْعِيَالَ وَتَوَاضُعِهِ وَفَضْلِ ذَلِكَ: قَوْله: «وَهُوَ يَكِيد بِنَفْسِهِ» أَيْ يَجُود بِهَا، وَمَعْنَاهُ: وَهُوَ فِي النَّزْع. قَوْله: «فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِره» فيه جَوَاز الْبُكَاء عَلَى الْمَرِيض وَالْحُزْن، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخَالِف الرِّضَا بِالْقَدَرِ، بَلْ هِيَ رَحْمَة جَعَلَهَا اللَّه فِي قُلُوب عِبَاده، وَإِنَّمَا الْمَذْمُوم النَّدْب وَالنِّيَاحَة، وَالْوَيْل وَالثُّبُور، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الْبَاطِل، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا نَقُول إِلَّا مَا يُرْضِي رَبّنَا». 4280- قَوْله: «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَرْحَم بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيم مُسْتَرْضِعًا فِي عَوَالِي الْمَدِينَة» إِلَى قَوْله: «فَيَأْخُذهُ فَيُقَبِّلُهُ» أَمَّا (الْعَوَالِي) فَالْقُرَى الَّتِي عِنْد الْمَدِينَة. وَقَوْله: (أَرْحَم بِالْعِيَالِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَوْجُود فِي النُّسَخ وَالرِّوَايَات. قَالَ الْقَاضِي: وَفِي بَعْض الرِّوَايَات (بِالْعِبَادِ). فَفيه بَيَان كَرِيم خُلُقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحْمَته لِلْعِيَالِ وَالضُّعَفَاء. وَفيه فَضِيلَة رَحْمَة الْعِيَال وَالْأَطْفَال وَتَقْبِيلهمْ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْي وَإِنَّ ظِئْرَيْنِ تُكَمِّلَانِ رَضَاعه فِي الْجَنَّة» مَعْنَاهُ مَاتَ وَهُوَ فِي سِنّ رَضَاع الثَّدْي، أَوْ فِي حَال تَغَذِّيه بِلَبَنِ الثَّدْي. وَأَمَّا (ظِئْر) فَبِكَسْرِ الظَّاء مَهْمُوزَة، وَهِيَ الْمُرْضِعَة وَلَد غَيْرهَا، وَزَوْجهَا ظِئْر لِذَلِكَ الرَّضِيع. فَلَفْظَة (الظِّئْر) تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَر. وَمَعْنَى: «تُكَمِّلَانِ رَضَاعه» أَيْ تُتِمَّانِهِ سَنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَهُ سِتَّة عَشَر شَهْرًا، أَوْ سَبْعَة عَشَر، فَتُرْضِعَانِهِ بَقِيَّة السَّنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ تَمَام الرَّضَاعَة بِنَصِّ الْقُرْآن. قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: وَهَذَا الْإِتْمَام لِإِرْضَاعِ إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَكُونُ عَقِبَ مَوْته، فَيَدْخُلُ الْجَنَّة مُتَّصِلًا بِمَوْتِهِ، فَيُتِمُّ فيها رَضَاعه كَرَامَة لَهُ وَلِأَبِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْقَاضِي: وَاسْم أَبِي سَيْف هَذَا الْبَرَاء، وَاسْم أُمّ سَيْف زَوْجَته خَوْلَة بِنْت الْمُنْذِر الْأَنْصَارِيَّة، كُنْيَتُهَا أُمّ سَيْف، وَأُمّ بُرْدَة. 4282- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَم لَا يُرْحَم» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ لَا يَرْحَم النَّاس لَا يَرْحَمهُ اللَّه» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا عَامّ يَتَنَاوَل رَحْمَة الْأَطْفَال وَغَيْرهمْ. 4283- قَوْله: (عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الظَّاء وَكَسْرهَا. .باب كَثْرَةِ حَيَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 4285- قَوْله: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا» قَالَ الْقَاضِي: أَصْل الْفُحْش الزِّيَادَة وَالْخُرُوج عَنْ الْحَدّ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: الْفَاحِش الْبَذِيء. قَالَ اِبْن عَرَفَة: الْفَوَاحِش عِنْد الْعَرَب الْقَبَائِح. قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْفَاحِش ذُو الْفُحْش، وَالْمُتَفَحِّش الَّذِي يَتَكَلَّفُ الْفُحْش، وَيَتَعَمَّدُهُ لِفَسَادِ حَاله. قَالَ: وَقَدْ يَكُون الْمُتَفَحِّشُ الَّذِي يَأْتِي الْفَاحِشَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ خِيَاركُمْ أَحَاسِنكُمْ أَخْلَاقًا» فيه الْحَثّ عَلَى حُسْن الْخُلُق، وَبَيَان فَضِيلَة صَاحِبه. وَهُوَ صِفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ. قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: حَقِيقَة حُسْن الْخُلُق بَذْل الْمَعْرُوف، وَكَفّ الْأَذَى، وَطَلَاقَة الْوَجْه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ مُخَالَطَة النَّاس بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْر، وَالتَّوَدُّد لَهُمْ، وَالْإِشْفَاق عَلَيْهِمْ، وَاحْتِمَالهمْ، وَالْحِلْم عَنْهُمْ، وَالصَّبْر عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِه، وَتَرْك الْكِبْر وَالِاسْتِطَالَة عَلَيْهِمْ. وَمُجَانَبَة الْغِلَظ وَالْغَضَب، وَالْمُؤَاخَذَة. قَالَ: وَحَكَى الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِلسَّلَفِ فِي حُسْن الْخُلُق هَلْ هُوَ غَرِيزَة أَمْ مُكْتَسَب؟ قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّحِيح أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ غَرِيزَة، وَمِنْهُ مَا يُكْتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقْتِدَاء بِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب تَبَسُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ: قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ سُنَّة كَانَ السَّلَف وَأَهْل الْعِلْم يَفْعَلُونَهَا، وَيَقْتَصِرُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت عَلَى الذِّكْر وَالدُّعَاء حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَفيه جَوَاز الْحَدِيث بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّة وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم، وَجَوَاز الضَّحِك، وَالْأَفْضَل الِاقْتِصَار عَلَى التَّبَسُّم كَمَا فَعَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَامَّة أَوْقَاته. قَالُوا: وَيُكْرَهُ إِكْثَار الضَّحِك، وَهُوَ فِي أَهْل الْمَرَاتِب وَالْعِلْم أَقْبَح. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ وَأَمْرِ السُّوَّاقِ مَطَايَاهُنَّ بِالرِّفْقِ بِهِنَّ: وَأَمَّا (رُوَيْدَك) فَمَنْصُوب عَلَى الصِّفَة بِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ سُقْ سَوْقًا رُوَيْدًا، وَمَعْنَاهُ الْأَمْر بِالرِّفْقِ بِهِنَّ. وَسَوْقك مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ الْجَارّ أَيْ اُرْفُقْ فِي سَوْقك بِالْقَوَارِيرِ. قَالَ الْعُلَمَاء: سُمِّيَ النِّسَاء قَوَارِير لِضَعْفِ عَزَائِمهنَّ تَشْبِيهًا بِقَارُورَةِ الزُّجَاج لِضَعْفِهَا، وَإِسْرَاع الِانْكِسَار إِلَيْهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِتَسْمِيَتِهِنَّ قَوَارِير عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْره، أَصَحّهمَا عِنْد الْقَاضِي وَآخَرِينَ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْهَرَوِيُّ، وَصَاحِب التَّحْرِير، وَآخَرُونَ، أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَنْجَشَة كَانَ حَسَن الصَّوْت، وَكَانَ يَحْدُو بِهِنَّ، وَيُنْشِد شَيْئًا مِنْ الْقَرِيض وَالرَّجَز، وَمَا فيه تَشْبِيب، فَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَفْتِنَهُنَّ، وَيَقَع فِي قُلُوبهنَّ حِدَاؤُهُ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ. وَمَنْ أَمْثَالِهِمْ الْمَشْهُورَة (الْغِنَا رُقْيَة الزِّنَا). قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَشْبَه بِمَقْصُودِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمُقْتَضَى اللَّفْظ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَام أَبِي قِلَابَةَ الْمَذْكُور فِي هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْلِم. وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الرِّفْق فِي السَّيْر، لِأَنَّ الْإِبِل إِذَا سَمِعْت الْحُدَاء أَسْرَعَتْ فِي الْمَشْي وَاسْتَلَذَّتْهُ، فَأَزْعَجَتْ الرَّاكِب، وَأَتْبَعَتْهُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاء يَضْعُفْنَ عِنْد شِدَّة الْحَرَكَة، وَيُخَافُ ضَرَرُهُنَّ وَسُقُوطُهُنَّ. 4288- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَك يَا أَنْجَشَة رُوَيْدًا سَوْقك بِالْقَوَارِيرِ» أَمَّا (وَيْحَك) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِم، وَوَقَعَ فِي غَيْره: (وَيْلَك). قَالَ الْقَاضِي: قَالَ سِيبَوَيْهِ: (وَيْل) كَلِمَة تُقَال لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة، و(وَيْح) زَجْر لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْوُقُوع فِي هَلَكَة. وَقَالَ الْفَرَّاء: وَيْل وَوَيْح وَوَيْس بِمَعْنًى، وَقِيلَ: وَيْحٌ كَلِمَةٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة لَا يَسْتَحِقُّهَا يَعْنِي فِي عُرْفِنَا فَيَرْثِي لَهُ، وَيَتَرَحَّم عَلَيْهِ، وَوَيْل ضِدّه. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة: لَا يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ حَقِيقَة الدُّعَاء، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْمَدْحُ وَالتَّعَجُّبُ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الْحُدَاء، وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ مَمْدُود. وَجَوَاز السَّفَر بِالنِّسَاءِ، وَاسْتِعْمَال الْمَجَاز، وَفيه مُبَاعَدَة النِّسَاء مِنْ الرِّجَال، وَمِنْ سَمَاع كَلَامهمْ، إِلَّا الْوَعْظ وَنَحْوه. 4289- سبق شرحه بالباب. 4290- سبق شرحه بالباب. .باب قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ: 4292- سبق شرحه بالباب. 4293- قَوْله: «خَلَا مَعَهَا فِي بَعْض الطُّرُق» أَيْ وَقَفَ مَعَهَا فِي طَرِيق مَسْلُوك لِيَقْضِيَ حَاجَتهَا وَيُفْتِيهَا فِي الْخَلْوَة، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَمَرّ النَّاس وَمُشَاهَدَتهمْ إِيَّاهُ وَإِيَّاهَا، لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهَا، لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مُبَاعَدَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنَ الْمُبَاحِ أَسْهَلَهُ: قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا مِنْ اللَّه تَعَالَى، فَيُخَيِّرُهُ فِيمَا فيه عُقُوبَتَانِ، أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّار مِنْ الْقِتَال وَأَخْذ الْجِزْيَة، أَوْ فِي حَقّ أُمَّته فِي الْمُجَاهَدَة فِي الْعِبَادَة أَوْ الِاقْتِصَار، وَكَانَ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ فِي كُلِّ هَذَا قَالَ: وَأَمَّا قَوْلهَا: «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا»، فَيُتَصَوَّرُ إِذَا خَيَّرَهُ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقُونَ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّخْيِير مِنْ اللَّه تَعَالَى أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُون الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا. قَوْلهَا: «وَمَا اِنْتَقَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَة اللَّه» وَفِي رِوَايَة: «مَا نِيلَ مِنْهُ شَيْء قَطُّ فَيَنْتَقِم مِنْ صَاحِبه إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِم اللَّه تَعَالَى فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ تَعَالَى» مَعْنَى: «نِيلَ مِنْهُ» أُصِيبَ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَانْتَهَاك حُرْمَة اللَّه تَعَالَى هُوَ اِرْتِكَاب مَا حَرَّمَهُ. قَوْلهَا: «إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَة اللَّه» اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع. مَعْنَاهُ لَكِنْ إِذَا اُنْتُهِكَتْ حُرْمَة اللَّه اِنْتَصَرَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَانْتَقَمَ مِمَّنْ اِرْتَكَبَ ذَلِكَ. فِي هَذَا الْحَدِيث الْحَثُّ عَلَى الْعَفْو وَالْحِلْم وَاحْتِمَال الْأَذَى وَالِانْتِصَار لِدِينِ اللَّه تَعَالَى مِمَّنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا أَوْ نَحْوه. وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاة وَسَائِر وُلَاة الْأُمُور التَّخَلُّق بِهَذَا الْخُلُق الْكَرِيم، فَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُهْمِلُ حَقَّ اللَّه تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَته لَهُ. 4295- سبق شرحه بالباب. 4296- قَوْلهَا: «مَا ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا اِمْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيل اللَّه» فيه أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. .باب طِيبِ رَائِحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِينِ مَسِّهِ وَالتَّبَرُّكِ بِمَسْحِهِ: قَوْله: «كَأَنَّمَا أُخْرِجَتْ مِنْ جُؤْنَة عَطَّار» هِيَ بِضَمِّ الْجِيم وَهَمْزَة بَعْدهَا، وَيَجُوزُ تَرْك الْهَمْزَة بِقَلْبِهَا وَاوًا كَمَا فِي نَظَائِرهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا كَثِيرُونَ، أَوْ الْأَكْثَرُونَ فِي الْوَاو. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ مَهْمُوزَة، وَقَدْ يُتْرَكُ هَمْزهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: هِيَ بِالْوَاوِ، وَقَدْ تُهْمَز، وَهِيَ السَّقْط الَّذِي فيه مَتَاع الْعَطَّار. هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُور وَقَالَ صَاحِب الْعَيْن. هِيَ سُلَيْلَة مُسْتَدِيرَة مُغَشَّاة (أَدَمًا). 4298- قَوْله: «مَا شَمِمْت» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم الْأُولَى عَلَى الْمَشْهُور، وَحَكَى أَبُو عُبَيْد وَابْن السِّكِّيت وَالْجَوْهَرِيّ وَآخَرُونَ فَتْحهَا. 4299- قَوْله: «أَزْهَر اللَّوْن» هُوَ الْأَبْيَض الْمُسْتَنِير، وَهِيَ أَحْسَن الْأَلْوَان. قَوْله: «كَأَنَّ عَرَقه اللُّؤْلُؤ» أَيْ فِي الصَّفَاء وَالْبَيَاض. وَاللُّؤْلُؤ بِهَمْزِ أَوَّله وَآخِره، وَبِتَرْكِهِمَا، وَبِهَمْزِ الْأَوَّل دُون الثَّانِي، وَعَكْسه. قَوْله: «إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ» هُوَ بِالْهَمْزِ، قَدْ يُتْرَك هَمْزه، وَزَعَمَ كَثِيرُونَ أَنَّ أَكْثَر مَا يُرْوَى بِلَا هَمْزَة، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا: قَالَ شَمِر: أَيْ مَالَ يَمِينًا وَشِمَالًا كَمَا تَكَفَّأَ السَّفِينَة قَالَ الْأَزْهَرِيّ: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَة الْمُخْتَال، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَمِيل إِلَى سَمْته، وَقَصَدَ مَشْيه كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَب». قَالَ الْقَاضِي: لَا بُعْدَ فِيمَا قَالَهُ شَمِر إِذَا كَانَ خِلْقَة وَجِبِلَّة، وَالْمَذْمُوم مِنْهُ مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا مَقْصُودًا. .باب طِيبِ عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ: قَوْله: «تَسْلُتُ الْعَرَق» أَيْ تَمْسَحُهُ وَتَتْبَعُهُ بِالْمَسْحِ. 4301- قَوْله: «كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْت أُمّ سُلَيْمٍ، فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشهَا» قَدْ سَبَقَ أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفيه الدُّخُولُ عَلَى الْمَحَارِم، وَالنَّوْم عِنْدهنَّ، وَفِي بُيُوتهنَّ، وَجَوَاز النَّوْم عَلَى الْأُدُم، وَهِيَ الْأَنْطَاع وَالْجُلُود. قَوْله: «فَفَتَحَتْ عَتِيدَتهَا» هِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مُثَنَّاة مِنْ فَوْقُ ثُمَّ مِنْ تَحْتُ، وَهِيَ كَالصُّنْدُوقِ الصَّغِير، تَجْعَلُ الْمَرْأَة فيه مَا يَعِزُّ مِنْ مَتَاعهَا. قَوْله: «فَفَزِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ؟» مَعْنَى فَزِعَ اِسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمه. 4302- قَوْلهَا: «عَرَقك أَدُوف بِهِ طِيبِي» هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُعْجَمَةِ، وَالْأَكْثَر عَلَى الْمُهْمَلَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَمَعْنَاهُ أَخْلِطُ، وَسَبَقَ بَيَان هَذِهِ اللَّفْظَة فِي أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان. .باب عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَرْدِ وَحِينَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ: و: «مِثْل صَلْصَلَة» هُوَ بِنَصْبِ (مِثْل)، وَأَمَّا الصَّلْصَلَة فَبِفَتْحِ الصَّادَيْنِ، وَهِيَ الصَّوْت الْمُتَدَارَك. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَوْت مُتَدَارَك، يَسْمَعُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَوْ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ مِنْ بَعْد ذَلِكَ. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَفَرَّغَ سَمْعُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَبْقَى فيه وَلَا فِي قَلْبه مَكَان لِغَيْرِ صَوْت الْمَلَك. وَمَعْنَى (وَعَيْت) جَمَعْت وَفَهِمْت وَحَفِظْت. وَأَمَّا (يَفْصِمُ) فَبِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْفَاء وَكَسْر الصَّاد الْمُهْمَلَة أَيْ يُقْلِعُ، وَيَنْجَلِي مَا يَتَغَشَّانِي مِنْهُ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. قَالَ الْعُلَمَاء: الْفَصْم هُوَ الْقَطْع مِنْ غَيْر إِبَانَة، وَأَمَّا (الْقَصْم) بِالْقَافِ فَقَطْعٌ مَعَ الْإِبَانَة وَالِانْفِصَال. وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَلَك يُفَارِقُ عَلَى أَنْ يَعُودَ، وَلَا يُفَارِقُهُ مُفَارَقَة قَاطِع لَا يَعُودُ. وَرُوِيَ هَذَا الْحَرْف أَيْضًا (يُفْصَمُ) بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله. وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْر الصَّاد عَلَى أَنَّهُ أَفْصَمَ يُفْصِم رُبَاعِيّ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة، وَهِيَ مِنْ أَفْصَمَ الْمَطَر إِذَا أَقْلَعَ وَكَفَّ. قَالَ الْعُلَمَاء: ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيث حَالَيْنِ مِنْ أَحْوَال الْوَحْي، وَهُمَا مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس، وَتَمَثُّل الْمَلَك رَجُلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّؤْيَا فِي النَّوْم، وَهِيَ مِنْ الْوَحْي، لِأَنَّ مَقْصُود السَّائِل بَيَان مَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَخْفَى فَلَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَته. وَأَمَّا الرُّؤْيَا فَمُشْتَرَكَة مَعْرُوفَة. 4305- قَوْله: «كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ» هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاء، وَمَعْنَى: «تَرَبَّدَ» أَيْ تَغَيَّرَ، وَصَارَ كَلَوْنِ الرَّمَاد. وَفِي ظَاهِر هَذَا مُخَالَفَة لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّل كِتَاب الْحَجّ فِي حَدِيث الْمُحْرِم الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ خَلُوق، وَأَنَّ يَعْلَى بْن أُمِّيَّة نَظَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال نُزُول الْوَحْي، وَهُوَ مُحَمَّر الْوَجْه. وَجَوَابه أَنَّهَا حُمْرَةُ كُدْرَة، وَهَذَا مَعْنَى التَّرَبُّد، وَأَنَّهُ فِي أَوَّله يَتَرَبَّد، ثُمَّ يَحْمَرّ أَوْ بِالْعَكْسِ. 4306- قَوْله: «أُتْلِيَ عَنْهُ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم نُسَخ بِلَادنَا: «أُتْلِيَ» بِهَمْزَةٍ وَمُثَنَّاة فَوْقُ سَاكِنَة وَلَام وَيَاء، وَمَعْنَاهُ اِرْتَفَعَ عَنْهُ الْوَحْي. هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِب التَّحْرِير وَغَيْره. وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (أُجْلِيَ) بِالْجِيمِ، وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: (اِنْجَلَى)، وَمَعْنَاهُمَا أُزِيلَ عَنْهُ، وَزَالَ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (اِنْجَلَى). وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
|